قال مسلم في صحيحه :
[472] وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ».
الشرح والبيان
المعنى الإجمالي :
قوله : ( وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ ) هو هارون بن معروف ، أبو علي الخزاز الضرير المروزي ، نزيل بغداد ، قال عنه ابن معين والعجلي وأبو زرعة وأبو حاتم وصالح بن محمد : ثقة ، وقال ابن قانع : ثقة ثبت ، قال أبو داود : سمعت الثقة يقول : قال هارون بن معروف : ( رأيت في المنام قيل لي : من آثر الحديث على القرآن عذّب ، قال : فظننت أنّ ذهاب بصري من ذلك ) ، له في هذا الكتاب (33) حديثاً ، ومات سنة 231 في رمضان .
( وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ ) هو عمرو بن سوّاد بن الأسود بن عمرو بن محمد العامري السرحي ، أبو محمد البصري ، وثقه أهل العلم ، ومات سنة (245) .
( قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ) هو عبدالله بن وهب بن مسلم القرشي ، مولاهم ، أبو محمد المصري الفقيه ، مات سنة 197 .
( عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ) هو عمرو بن الحارث بن يعقوب بن عبدالله الأنصاري ، مولى قيس ، أبو أمية المصري ، أصله مدني ، ثقة فقيه حافظ ، وثقه ابن سعد وابن معين وأبو زرعة والنسائي والعجلي ، وقال ابن حبان في الثقات : كان من الحفاظ المتقنين ومن أهل الورع في الدين ، مات سنة (148) .
( عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ ) هو عمارة بن غزية بن الحارث بن عمرو الأنصاري النجاري المازني المدني ، لا بأس به ، قال أحمد وأبو زرعة : ثقة ، وقال يحيى بن معين : صالح ، وقال أبو حاتم : ما بحديثة بأسٌ كان صدوقاً ، وقال محمد بن سعد : كان ثقة كثير الحديث توفي سنة أربعين ومائة .
( عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ) هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ثقة ، مات سنة (130) .
(أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ ) هو ذكوان السمّان الزيّات المدني ، مولى جويرية بنت الأحمس الغطفاني ، شهد الدار زمن عثمان رضي الله عنه ، مات سنة 101 ، وكان من أثبت الناس في أبي هريرة رضي الله عنه .
( يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ) وقد ذكر أهل العلم أموراً تبيّن سبب كون العبد قريباً من ربه في السجود ، ومن ذلك قولهم : ( وإنما كان العبد أقرب إليه تعالى في حال سجوده من سائر أحوال الصلاة وغيرها ؛ لأنّ العبد بقدر ما يَبعُد عن حظوظ نفسه بمخالفتها يقرب من ربه عز وجل ، والسجود فيه غاية التواضع ، وترك الكبر ، وكسر النفس ؛ لأنّها لا تأمر صاحبها بالمذلة ، ولا ترضى بها ، ولا بالتواضع ، فإذا سجد فقد خالف نفسه ، وبعُد عنها ، فإذا بعُد عنها قرُب من ربّه عزّ وجل ) ؛ قال : ( فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) أي : أكثروا من طلب حوائجكم في هذا الموضع ، حيث يكون القرب من الله تعالى الذي يسمع من يدعوه ، ويستجيب لمن يناجيه ، فالواجب على المؤمن الموفق أنْ يكثر من سؤال الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة ، عسى الله أنْ يستجيب له .
من فوائد الحديث :
1ــ في الحديث دليل على فضل السجود ؛ لما فيه من القرب من الله سبحانه وتعالى .
2ــ من دلائل كون العبد موفقاً أنْ يرزقه الله الحرص على اغتنام مواطن الخيرات ، فلا يفوّتها ، ومن ذلك أنْ يكثر في السجود من سؤال الله تعالى من خيري الدنيا والآخرة ؛ لكونه موطن إجابة ،كما جاء في قول الصادق المصدوق ﷺ .
3ــ ينبغي على العبد أنْ يتعلّم معاني الصلاة ، فإذا تعلّم ذلك فإنَّه سيعلم ما يكون في سجوده من التواضع والانكسار لرب العزة والجلال ، فإذا استحضر ذلك ودعا ربه ، وهو على هذه الحالة فإنَّ الله لا يردّ دعاءه .
4ــ إذا أحبّ الله عبده حبّب إليه الإكثار من السجود ؛ لأنَّ الله تعالى لا يختار لقربه إلا من أحبّه.
https://youtu.be/tn9fMVTARI4
https://youtu.be/tn9fMVTARI4